الأربعاء، 30 يوليو 2014

يشغل سؤال الأنثى و الذكر و فكرة المساواة مع الذكر حيزا لا بأس به من العقل الجمعي ، و نعم كل أنثى تمر بهذا السؤال في حياتها؛ لمَ لا تحاكم كما يحاكم الذكر ابتداء من أصغر الاعتبارات و حتى أجلها ، أو حتى الهوَس بفكرة المساواة المبنية على توحيد المقاييس كلها و سحب مقياس الخطأ و الصواب على كل شيء دون محاباة.
وتسمى أحيانا مواربة ب"العدل" .
ما نغفل عنه تماما بأن الطبيعة البشرية للأنثى كانت شيئا ناجزا ، الأنوثة فكرة ناجزة مهمة الأنثى في حياتها المحافظة عليها ، أن تذود عنها كل ما يخدشها ، أن تحكم على ما يمكن أن تدخله من تجارب حياتية و عملية بناء على قدرتها التامة بأن تمنع ما يمكن أن يفقدها نفسها. الفكرة محزنة حين نواجهها لأول مرة ، نقع في مغالطة منطقية إن ظننا أن هذه يصبغها بالهشاشة ، وإنما بقدر ما يجعلها ذات معنى جميل جدا ، طاهر جدا لا تعرّف الأنثى دونه، حالما تفقده تفقد ما يمكنها من الاستمرار ويُفقَد سر من أسرار هذا الكون يمكن الاستكانة إليه . وما أعنيه هنا بالأنوثة كل ما يجعل من الأنثى ما هي عليه من أصغر شيء و حتى أجله .
من هذه النقطة السعي الحقيقي للأنثى يكمن بالاتساع ، النضوج الأفقي .
بالمقابل الذكورة ليست فكرة ناجزة، كل ذكر في هذه الحياة يكبر تحت ظل فكرة أنه يريد أن يصل لدرجة ذكورة ما . يدخل التجربة التي تمكنه من أن يشكلها ، حتى أن صورة الذكر المنطوِي عن ما يمكن أن يشكل ذكورته صورة شاذة و غير مقبولة .
المشكلة الحقيقية أننا نعي هذا صدفةً ،كثير منا لا يفهم ما نحن عليه ، مقَوْلبون بما تحشوه المؤسسة الأسرية و المجتمعية المنخورة من الأعراف و السلوكات دون أن نسأل ونبحث بشكل منطقي عن شيء يبرر ما وصلت إليه . نسخط عليها فقط و نكرهها و نبقى ننكرها ، دون أن نحاول بشكل جاد البحث عن حقيقة تسيّر هذا المكان الذي نعيش فيه و تجعل منا ما نحن عليه ، فكرة حقيقية يمكن أن نصل إليها من هذا البحث و تجعلنا أكثر قدرة على تحمل عبء أن نكون هذا البشري المليء بالسؤال أولا ، والباحث بكل ما يملك عن ما يمكن أن يخرجه سالما منه، ما يمكن أن يقوده لحقيقة الفكرة البشرية على هذه الحياة .

السبت، 26 يوليو 2014

سَكَن

أنت دائما تنتظر شيئا ما ، حتى حينما تصل، تبحث عما يمكن أن ننتظره و يحيي فيك هذا الحنين إليه من جديد. بالمقابل كل ما تآلفت معه و ما تشك في كثير من الأحيان إن كان حقا أمامك أم أنها صور داخلية انغمست في شبكية عينك و تأتي دوما من داخلك ، كل ما تظن أنه موجود دائما و أنك قادر دوما أن تنحيه دون أن تخسره ، هذا بالتحديد ما ستتفاجأ كلما فقدت شيئا منه كم تفقد من نفسك ، من شيء شكلك وجعل منك بشريا "يملك" شيئا و يتكئ عليه .
أنت فقير جدا كلما ظننت أن هناك شيئا ما يجب دوما أن تلاحقه دون أن تلتفت قليلا لما بين جنبيك .
البارحة أحيينا الليلة في بيت جدي-رحمه الله- جميعنا ، لم أشعر يوما بأن الحياة يمكن أن تحتمل بهذا الشكل ، أو كم من الممكن أن تكون حيا ، أو كم فقدنا بعد رحيله من بيننا وكم تفتقده هذه الألفة و هذا الجمال ، إلا حينما بحثت قليلا عن نفسي بين ما اعتدت عليه دوما ؛ العائلة .
نحن ننسى كثيرا بأن هذا المكان يمكن أن يكون ودودا لو أننا لا نتجاوز ما يمنحنا نبعا ثابتا ، هذا الذي لا يتخطانا ولكننا دوما نتخطاه .
حاصله : الحمدلله ..

الاثنين، 21 يوليو 2014

عنّا

كان الخوفُ أول ما تعرّف البشري به على نفسه . من الخوف اكتسبت جزئية الخيال شرعية تحكمها في طبيعة ما يتولد فينا كلما ألم بنا حادث ما وما ستؤول إليه ذاكرة الحادث فينا . نحن نتسائل دوما كلما ارتعشت آخر صلابة فينا إن كنا ضحايا إغراء الخيال بهشاشتنا أم أننا حقا متآلفين إلى درجة بعيدة مع هذا الكامن فينا؛ هذا الخوف من فقدان أي شيء يشعرنا بحجمنا الحقيقي في هباء المكان والزمان ، والذي يشكلنا وكأنه منا ، وإن كنا كذلك فإلى أي حد نحن خلاقون ؟ إلى أي حد تساهم أرواحنا في خلق هذا الرعب القادر على أن يعيد ولادته دائما كلما لاح ما يشعرنا بالخسارة ؟
سيستغرق الأمر عمرا و تجربة مريرة واحدة فقط لتلمُّس هذه النقطة التي تشك فيها بنفسك أكثر من أي شيء آخر، و سترعبك حينها فكرة أن كل شيء قابل لأن يتلاشى أمامك إن استسلمت لأقل دافع ضعيف يقنعك بجمال هذا الهش فيك فتتكئ عليه . ستفقد في هذا العمر أمناً ألفته و ستفقد وجها انتميت لحنينه فيك ستفقد وقتا جميلا شكل لك تقويما زمنيا خاصا بك و أشعرك بقيمته الحيوية فيك، ستفقد ليلا هانئا لا تشقى فيه، وستفقد ذاكرة أمام كل ما تدفنه لتنسى خسارته ، وبإزاء كل هذا ستفقد ذاتك كلما أنكرت هذا الخوف الذي يقودك إليك دوما 
لم يكن التصالح مع الفقد إلا مجازا نبتكره لتبدو الفاجعات أقل بشاعة أكثر استساغة .
و إن أكثر ما يعول فيه على البشري الخائف فينا هو أنه حقيقي لدرجة ممرضة ، و أننا لا نفتعله و لا يتولد فينا إلا لما حين يمسّنا حادث بعمق . 
إن الاستسلام بكل وضوح وبساطة مع اضطرابات الخوف اللامنطقية سيولد تناغما معه ذات يوم لكنه يبقى ما لا ننشده ، مانهرب منه إلى صورة أكثر سَكنا و ألفة :"لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

ذاكرة

إن أبسط الأشياء يمكن أن تقتلك سعادة ، و أن تتحول إلى ذكرى تولد حلاوة لا تثير فيك إلا الأسى .مثلما كان خوفك حاضرا دائما كهاجس ، أو كاحتمال في أعماق الوعي ،حين نسيت أن العالم بوسعه أن يكون سخيا معك ،باغتك و كان .
حتى استطاع الفجر جعلك منيعا على المآخذ و الصعاب كلها
إن أكثر ما يجترحنا في الأمل أن نتآلف معه حتى نصل حافته قبل أوانها ، فتتكسر ذاتنا في أعماقنا وتنتبذ تماما من الدائرة التي يمكن للحياة أن تكون أليفة معها .
سيكون هذا الحدس منقذك و برّك في الآتي ، أن تحدس بكل سهولة فيما سيأتي بأن أعظم حالات الأمل يمكن أن تولد فيك أعمق حالات التعاسة و الوحدة من جديد . وستستطيع أن تبرر ذلك بأن جعلنا وحيدين هكذا هي أحد طرق الله في أن يقودنا إلى نفسنا أكثر ، أن تغوص أكثر في هذا الخواء الساكن ، هذا الأثير الموحش من جديد، هذا التيار الجواني الذي يُهمل في أقصى درجات الغرق و الألفة مع هذه الحياة الغريبة ، حين رسمَت لها فيك صورا ودودة و مدهشة ، وباغتتك بأبديتها المشوهة .
لا شيء سيقف في وجه يأس يجرفك ، لا شيء سيستطيع أن يقنعك من جديد بأنه كان بالإمكان الاستناد على إيمانك بالآتي قليلا ، أن لا تنتحر قبل أن تعطي فرصة للمبنى بأن ينهار وحده .
هذا الأمل حين ينكسر تماما عند أول حافة ، لن يمضي فيك من جديد إلا عارجاً متكِّئا ..

الخميس، 10 يوليو 2014

عن النص القرآني

لم يكن القرآن نصا تجريديا ،نزل منجدلا بالواقع و مرتفعا عنه ، ومنه كان هذا الاتساع اللغوي لمعانيه . إشكالية تاريخيته - أي التصاقه بظروف نزوله مكانيا و زمانيا و اشتباك هذه الظروف في معانيه و مبناه - يمكن أن تعامل إيجابيا باعتباره منبثَقا هدائيا لا يضعف بسبب قدمه بل يكتسب قيمة أكبر بقدمه التاريخي هذا، و التركيز على سؤال التجربة التأويلية الفردية الناضجة والواعية و إعطائها حجمها الذي تستحق.
عملية الالتقاء بنص القرآن و التحاور معه تبدأ بوضوح حين يعي الذهن الصورة الأولية للنص فيه ؛كيف يراه ؟ وما هي الطبيعة التي توجه تأويله له؟
و عدم الوعي بها ابتداء وحده يجعلها عملية ناقصة و مشوهة
أعظم ما قدمه القرآن لم تكن اللغة فقط، ولا مبناها الصارم المبهر فقط ، كان نص القرآن دوما موضوعي ، ليس مجرد إشارات تثير معنى و تحيل لآخر إلى ما لا نهاية ، أبدا
هو يحمل معنى و حقيقة ذات وجه محدد لكنها متسعة حتى أقصاها ، وبذلك كان أهم ما قدمه القرآن استخدام هذا الاتساع في صنع الجهاز المفاهيمي الخاص به ؛ إعادة تنظيم كونية للمفاهيم و القيم و تعريضها للتحويل دلاليا بشكل عميق نتيجة إدخالها في المجال للمفهومي الجديد للوحي الإلهي ، و الرؤية القرآنية الكونية الجديدة لله و للإنسان و للوجود. وكل ما ترمي إليه التجربة التأويلية يجب أن يكون استكشاف هذه الرؤية و بنيتها التي دعّمتها الدلالة ، و الغوص في تصورها الجديد للكينونة و الوجود ومسائلته بوعي و عمق .

الخميس، 3 يوليو 2014

لا أقدام تحملنا في فكرة الليل الطويل الذي يرتدينا ، ينبهر الليل في قدرته على التداخل فينا و الهبوط خفيفا من عذاباتنا و حرائقنا
صرَعَنا الطريق بالضباب ، فتحنا عليه نافذة المدى عل الحرائق تتنصل منا فيه
عل طريقا عاثرا مضى دون ايماء يتعرف علينا
عله يرى عبوره إلى ما يفوق الرؤى .كان الدمع أثرا ولكنه مات من التحديق متتبعا آخر مجراه
أحاول ما استطعت أن أضع للفراغ دليلا يجعلني أتصالح مع وجوده بهذا الشكل ولكنه يهويني نثارا ويملؤني بطريقة ممرضة خوفا من الإنصات للريح،
لا نريد أن نعتاد صورتنا الهشة هذه على مدارج انتظار شيء يخوينا ،يهشم ما بقي منا ، لا نريد أن نعتادها علها تتكسر و تمضي خلف آخر قنديل سيأتي متتبعا لهاث أبواب التعب المشرعة، و ينتشلنا منها فنحترم بقائنا قليلا
لا نريد أن نمضي هكذا مثقلين من ارتعاشة قتلها تهدج الأمل ، و الجفاء
والليل يأتي ، أو نسير إليه ، لا يهم .
الأهم أنه المؤجل فينا عنه
و أنا مذ انطفأ برعم الضوء الأخير في عيني
أشرب أثار هذا الليل على جسدي و نوافذي ..و أعبر مبهورة بوحشة ما أراه
من الخرائب في كل هذا الضياء .