الأربعاء، 30 يوليو 2014

يشغل سؤال الأنثى و الذكر و فكرة المساواة مع الذكر حيزا لا بأس به من العقل الجمعي ، و نعم كل أنثى تمر بهذا السؤال في حياتها؛ لمَ لا تحاكم كما يحاكم الذكر ابتداء من أصغر الاعتبارات و حتى أجلها ، أو حتى الهوَس بفكرة المساواة المبنية على توحيد المقاييس كلها و سحب مقياس الخطأ و الصواب على كل شيء دون محاباة.
وتسمى أحيانا مواربة ب"العدل" .
ما نغفل عنه تماما بأن الطبيعة البشرية للأنثى كانت شيئا ناجزا ، الأنوثة فكرة ناجزة مهمة الأنثى في حياتها المحافظة عليها ، أن تذود عنها كل ما يخدشها ، أن تحكم على ما يمكن أن تدخله من تجارب حياتية و عملية بناء على قدرتها التامة بأن تمنع ما يمكن أن يفقدها نفسها. الفكرة محزنة حين نواجهها لأول مرة ، نقع في مغالطة منطقية إن ظننا أن هذه يصبغها بالهشاشة ، وإنما بقدر ما يجعلها ذات معنى جميل جدا ، طاهر جدا لا تعرّف الأنثى دونه، حالما تفقده تفقد ما يمكنها من الاستمرار ويُفقَد سر من أسرار هذا الكون يمكن الاستكانة إليه . وما أعنيه هنا بالأنوثة كل ما يجعل من الأنثى ما هي عليه من أصغر شيء و حتى أجله .
من هذه النقطة السعي الحقيقي للأنثى يكمن بالاتساع ، النضوج الأفقي .
بالمقابل الذكورة ليست فكرة ناجزة، كل ذكر في هذه الحياة يكبر تحت ظل فكرة أنه يريد أن يصل لدرجة ذكورة ما . يدخل التجربة التي تمكنه من أن يشكلها ، حتى أن صورة الذكر المنطوِي عن ما يمكن أن يشكل ذكورته صورة شاذة و غير مقبولة .
المشكلة الحقيقية أننا نعي هذا صدفةً ،كثير منا لا يفهم ما نحن عليه ، مقَوْلبون بما تحشوه المؤسسة الأسرية و المجتمعية المنخورة من الأعراف و السلوكات دون أن نسأل ونبحث بشكل منطقي عن شيء يبرر ما وصلت إليه . نسخط عليها فقط و نكرهها و نبقى ننكرها ، دون أن نحاول بشكل جاد البحث عن حقيقة تسيّر هذا المكان الذي نعيش فيه و تجعل منا ما نحن عليه ، فكرة حقيقية يمكن أن نصل إليها من هذا البحث و تجعلنا أكثر قدرة على تحمل عبء أن نكون هذا البشري المليء بالسؤال أولا ، والباحث بكل ما يملك عن ما يمكن أن يخرجه سالما منه، ما يمكن أن يقوده لحقيقة الفكرة البشرية على هذه الحياة .

السبت، 26 يوليو 2014

سَكَن

أنت دائما تنتظر شيئا ما ، حتى حينما تصل، تبحث عما يمكن أن ننتظره و يحيي فيك هذا الحنين إليه من جديد. بالمقابل كل ما تآلفت معه و ما تشك في كثير من الأحيان إن كان حقا أمامك أم أنها صور داخلية انغمست في شبكية عينك و تأتي دوما من داخلك ، كل ما تظن أنه موجود دائما و أنك قادر دوما أن تنحيه دون أن تخسره ، هذا بالتحديد ما ستتفاجأ كلما فقدت شيئا منه كم تفقد من نفسك ، من شيء شكلك وجعل منك بشريا "يملك" شيئا و يتكئ عليه .
أنت فقير جدا كلما ظننت أن هناك شيئا ما يجب دوما أن تلاحقه دون أن تلتفت قليلا لما بين جنبيك .
البارحة أحيينا الليلة في بيت جدي-رحمه الله- جميعنا ، لم أشعر يوما بأن الحياة يمكن أن تحتمل بهذا الشكل ، أو كم من الممكن أن تكون حيا ، أو كم فقدنا بعد رحيله من بيننا وكم تفتقده هذه الألفة و هذا الجمال ، إلا حينما بحثت قليلا عن نفسي بين ما اعتدت عليه دوما ؛ العائلة .
نحن ننسى كثيرا بأن هذا المكان يمكن أن يكون ودودا لو أننا لا نتجاوز ما يمنحنا نبعا ثابتا ، هذا الذي لا يتخطانا ولكننا دوما نتخطاه .
حاصله : الحمدلله ..

الاثنين، 21 يوليو 2014

عنّا

كان الخوفُ أول ما تعرّف البشري به على نفسه . من الخوف اكتسبت جزئية الخيال شرعية تحكمها في طبيعة ما يتولد فينا كلما ألم بنا حادث ما وما ستؤول إليه ذاكرة الحادث فينا . نحن نتسائل دوما كلما ارتعشت آخر صلابة فينا إن كنا ضحايا إغراء الخيال بهشاشتنا أم أننا حقا متآلفين إلى درجة بعيدة مع هذا الكامن فينا؛ هذا الخوف من فقدان أي شيء يشعرنا بحجمنا الحقيقي في هباء المكان والزمان ، والذي يشكلنا وكأنه منا ، وإن كنا كذلك فإلى أي حد نحن خلاقون ؟ إلى أي حد تساهم أرواحنا في خلق هذا الرعب القادر على أن يعيد ولادته دائما كلما لاح ما يشعرنا بالخسارة ؟
سيستغرق الأمر عمرا و تجربة مريرة واحدة فقط لتلمُّس هذه النقطة التي تشك فيها بنفسك أكثر من أي شيء آخر، و سترعبك حينها فكرة أن كل شيء قابل لأن يتلاشى أمامك إن استسلمت لأقل دافع ضعيف يقنعك بجمال هذا الهش فيك فتتكئ عليه . ستفقد في هذا العمر أمناً ألفته و ستفقد وجها انتميت لحنينه فيك ستفقد وقتا جميلا شكل لك تقويما زمنيا خاصا بك و أشعرك بقيمته الحيوية فيك، ستفقد ليلا هانئا لا تشقى فيه، وستفقد ذاكرة أمام كل ما تدفنه لتنسى خسارته ، وبإزاء كل هذا ستفقد ذاتك كلما أنكرت هذا الخوف الذي يقودك إليك دوما 
لم يكن التصالح مع الفقد إلا مجازا نبتكره لتبدو الفاجعات أقل بشاعة أكثر استساغة .
و إن أكثر ما يعول فيه على البشري الخائف فينا هو أنه حقيقي لدرجة ممرضة ، و أننا لا نفتعله و لا يتولد فينا إلا لما حين يمسّنا حادث بعمق . 
إن الاستسلام بكل وضوح وبساطة مع اضطرابات الخوف اللامنطقية سيولد تناغما معه ذات يوم لكنه يبقى ما لا ننشده ، مانهرب منه إلى صورة أكثر سَكنا و ألفة :"لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"

الثلاثاء، 15 يوليو 2014

ذاكرة

إن أبسط الأشياء يمكن أن تقتلك سعادة ، و أن تتحول إلى ذكرى تولد حلاوة لا تثير فيك إلا الأسى .مثلما كان خوفك حاضرا دائما كهاجس ، أو كاحتمال في أعماق الوعي ،حين نسيت أن العالم بوسعه أن يكون سخيا معك ،باغتك و كان .
حتى استطاع الفجر جعلك منيعا على المآخذ و الصعاب كلها
إن أكثر ما يجترحنا في الأمل أن نتآلف معه حتى نصل حافته قبل أوانها ، فتتكسر ذاتنا في أعماقنا وتنتبذ تماما من الدائرة التي يمكن للحياة أن تكون أليفة معها .
سيكون هذا الحدس منقذك و برّك في الآتي ، أن تحدس بكل سهولة فيما سيأتي بأن أعظم حالات الأمل يمكن أن تولد فيك أعمق حالات التعاسة و الوحدة من جديد . وستستطيع أن تبرر ذلك بأن جعلنا وحيدين هكذا هي أحد طرق الله في أن يقودنا إلى نفسنا أكثر ، أن تغوص أكثر في هذا الخواء الساكن ، هذا الأثير الموحش من جديد، هذا التيار الجواني الذي يُهمل في أقصى درجات الغرق و الألفة مع هذه الحياة الغريبة ، حين رسمَت لها فيك صورا ودودة و مدهشة ، وباغتتك بأبديتها المشوهة .
لا شيء سيقف في وجه يأس يجرفك ، لا شيء سيستطيع أن يقنعك من جديد بأنه كان بالإمكان الاستناد على إيمانك بالآتي قليلا ، أن لا تنتحر قبل أن تعطي فرصة للمبنى بأن ينهار وحده .
هذا الأمل حين ينكسر تماما عند أول حافة ، لن يمضي فيك من جديد إلا عارجاً متكِّئا ..

الخميس، 10 يوليو 2014

عن النص القرآني

لم يكن القرآن نصا تجريديا ،نزل منجدلا بالواقع و مرتفعا عنه ، ومنه كان هذا الاتساع اللغوي لمعانيه . إشكالية تاريخيته - أي التصاقه بظروف نزوله مكانيا و زمانيا و اشتباك هذه الظروف في معانيه و مبناه - يمكن أن تعامل إيجابيا باعتباره منبثَقا هدائيا لا يضعف بسبب قدمه بل يكتسب قيمة أكبر بقدمه التاريخي هذا، و التركيز على سؤال التجربة التأويلية الفردية الناضجة والواعية و إعطائها حجمها الذي تستحق.
عملية الالتقاء بنص القرآن و التحاور معه تبدأ بوضوح حين يعي الذهن الصورة الأولية للنص فيه ؛كيف يراه ؟ وما هي الطبيعة التي توجه تأويله له؟
و عدم الوعي بها ابتداء وحده يجعلها عملية ناقصة و مشوهة
أعظم ما قدمه القرآن لم تكن اللغة فقط، ولا مبناها الصارم المبهر فقط ، كان نص القرآن دوما موضوعي ، ليس مجرد إشارات تثير معنى و تحيل لآخر إلى ما لا نهاية ، أبدا
هو يحمل معنى و حقيقة ذات وجه محدد لكنها متسعة حتى أقصاها ، وبذلك كان أهم ما قدمه القرآن استخدام هذا الاتساع في صنع الجهاز المفاهيمي الخاص به ؛ إعادة تنظيم كونية للمفاهيم و القيم و تعريضها للتحويل دلاليا بشكل عميق نتيجة إدخالها في المجال للمفهومي الجديد للوحي الإلهي ، و الرؤية القرآنية الكونية الجديدة لله و للإنسان و للوجود. وكل ما ترمي إليه التجربة التأويلية يجب أن يكون استكشاف هذه الرؤية و بنيتها التي دعّمتها الدلالة ، و الغوص في تصورها الجديد للكينونة و الوجود ومسائلته بوعي و عمق .

الخميس، 3 يوليو 2014

لا أقدام تحملنا في فكرة الليل الطويل الذي يرتدينا ، ينبهر الليل في قدرته على التداخل فينا و الهبوط خفيفا من عذاباتنا و حرائقنا
صرَعَنا الطريق بالضباب ، فتحنا عليه نافذة المدى عل الحرائق تتنصل منا فيه
عل طريقا عاثرا مضى دون ايماء يتعرف علينا
عله يرى عبوره إلى ما يفوق الرؤى .كان الدمع أثرا ولكنه مات من التحديق متتبعا آخر مجراه
أحاول ما استطعت أن أضع للفراغ دليلا يجعلني أتصالح مع وجوده بهذا الشكل ولكنه يهويني نثارا ويملؤني بطريقة ممرضة خوفا من الإنصات للريح،
لا نريد أن نعتاد صورتنا الهشة هذه على مدارج انتظار شيء يخوينا ،يهشم ما بقي منا ، لا نريد أن نعتادها علها تتكسر و تمضي خلف آخر قنديل سيأتي متتبعا لهاث أبواب التعب المشرعة، و ينتشلنا منها فنحترم بقائنا قليلا
لا نريد أن نمضي هكذا مثقلين من ارتعاشة قتلها تهدج الأمل ، و الجفاء
والليل يأتي ، أو نسير إليه ، لا يهم .
الأهم أنه المؤجل فينا عنه
و أنا مذ انطفأ برعم الضوء الأخير في عيني
أشرب أثار هذا الليل على جسدي و نوافذي ..و أعبر مبهورة بوحشة ما أراه
من الخرائب في كل هذا الضياء .

الاثنين، 23 يونيو 2014

وجَد به أي أصاب الشغاف . عَبَره!
الوجْد أن تصاب، تصاب بالفقد ، تعلن خسارتك التامة لصورة قد سبقت ظلّك و عرّفتك و كنت راكناً إليها ، نائيا بها نحو ما استفز وجودك وتركه يستطيل بثقله وقيمته من جديد.
من هنا تستنشق النهايات قساوتها ، ليس لأنها الآخِر ، بل لحجم الفجوة التي تتركه في صورة هذا الوجود البهية و التي انتميت إليها حتى آخرك ، 
لتذرَك بئراً يتدلى فيه الظلّ منكسرا ...تقاسي وجودك من جديد .
إن أي من الخيال لا يكفي ليبتكر أبسط الأشياء أمامك 
فكيف ستجدل اللغة ليلا معلقا بصدرك كالغمام؟
لا حقيقة في عمق كل هذا سوى أن الريح تمتحن قدرتك على أن تنتصب شراعا ، أن تمتلك أقل ما يمكّن وجودك على احتمال نفسه فيما بقي من الليل .. ليمضي

الخميس، 19 يونيو 2014

حزيران مطفأ العينين

ها هي لحظتك المرتقبة سيدتي ، نديانة كهذا المساء الذي يغسل الحنين بوحشته
وَعْثاءُ كوجه المدينة

كان الطريق يديرُ لك لحناً مشتبكاً بالموت كان المليء بالنبض المكبوت ، كان الطريق ينتظر هذه اللحظة ليذروَ على وجهك دقيق َلهيبه ،من شمسه و قد أطفأت عينيها فيك ، وهطلت في قلبك ثقباً ثقباً
ممدودة كالنداء السحيق مصلوبة 
كالراية ، مباحة 
سيدتي ، ظلّك؟
انقطع الظل منك ، وتركت لعراءِ النهار، يلقم صدرك من دمك 
يد منك تضغط على ثقب الجرح و يد تسحب من تحتك بساطك الأخير فتسقط الأشياء مهزومة كعينيك .
قلبك الصغير الصغير 
قلبك الثقيل ككف الموت ، الثقيل. 
"زمنٌ يا سيدتي فيك يتقاطع و أنت اخترت أن تذهبي في الطريق الذي يتراجع "
والآن و أنت على مقربة من نفسك ، لا شيء بقي ليفصل بينك و بينك 
ووجه ما ، وجه لا حزين ولا فرح، ينبشُ فيك باطنك الذي لم تكتشفيه قبل هذا فيعكس جروحك مرئية بين مقلتيك ، تمضين رأسك بين كتفيك لا تلوين على شيء إلا أن تضعي مصيرَك حيث وجدتيه أول مرة و إن خذلكِ ، وحدك
لا خلفك و لا أمامك، هو ذا يرفرف فوقك ، يظلّلُك ..تسيرين فيه مكتملة الظل كنبضة وجدت الطريق أخيرا نحو هاويتها / رصاصتها . مخلفة ندبتها على جبين هذا الليل الذي لاقيت منه ..ما كفى ! 

"آه كم كنت كما كنا نرش النور 
وتهدجنا غناء 
تهدجنا بكاء 
ثم لم نلق من كل هذا ، إلا باباً بخيلاً"

الثلاثاء، 3 يونيو 2014

ميلاد

أؤمن بأن أول من اعتاش على معنى الميلاد الحقيقي هو ذلك البشريّ محتشدةً فيه كل الوجوه التي مرّرت دهشتها على عمره دفعة واحدة تلك التي أعادته لما يشبهه وما هو عليه الآن ، راسمة له طريقا حيّا بكل تفاصيله
أؤمن بأن أول من اقتات على لهفته المذهلة هو ذلك المغتسل تماما بالحقيقي\ القدسيّ الذي لا يثقبه انتظار ولا تقتله مسافة و لا يأتي إلا من وراء خيوط الشمس الأخيرة ، لا يأتي إلا في أوانه مكتملا في بهائه 
الميلاد حنين ، حنينٌ لما كنت عليه ، لما عرّفك و أكسبك صفة غارقة في الأمس ، لما يجب أن تكون عليه وما لم تدركْكَ المسافات منه ، حنين لكلّ وجه مضى وسقى التعثّر به بالشهيق المرمّد، لكل من سيأتي وينفث غيماً بليغاً بالأبجديات التي لم تفنَ بعد . الميلاد بلاد صنعت وجودك و رأتك كامل الهشاشة فنفحت فيك التشرد أبدا .

الميلاد كل ما ارتجفت له الروح، كل ما ثقبها في الوسط تماما ، كل ما قالته على أدراج الصدى ولم ينصت إليه أحد ، كل ما أعادها لغربتها الأولى، لصرختها الأولى ، كل ما حرسها ، كل ما ندّاها كل ما أحياها وكل ما اتّسع لها 

ممتنّة لاثنين وعشرينَ أخرجتني منّي و سجّت بداخلي كل هذه الوجوه والأصوات و الأرواح ، ظللتني بكل هذا الحنين لمن استُلبت من ضلعه قديما و سحبتُ من عينيه كل صباح سحابا فذوَت غربتي في سكناه وسافرت في ما فوق خطاي من خطاه 
ممتنّة لكل ما صفّر بداخلي لحنا و أبجدية ، ولكل ما حفّ الشغف بها
محبّات لكل من رفع لي اليوم سماء خفيفة خفيفة غمرتني فكُنتُها
حزيران وميلاده أقل غربة بكم جميعا يا رفاق .

الاثنين، 26 مايو 2014

أثقل منكِ

أردتِ وقتها أن تنبجسي من عتمة صوتيّة عالية بداخلك و قد هامَت السماء على وجهك . تقمّصتكِ لحظة كتيمة عصيّة على الفهم ،خانها المنطق وأصمّتها جميع الاحتمالات و فقدت شفافيتها تماما ، فهوَت عارية نحو مجهول صاخب لا يحتمل . ولولا اقتناعك بأن الحياة تحملُ في سرّها أسباب بذائتها وسخريتها سويا 
لولا هذا الوهم الأولي والأساسي لما استطعت الاستمرار في العيش أو على الأقل الاستمرار في أخذ هذه الحياة على محمل الجد .
لكِ الليل وحدكِ ، هكذا جلياً أمامك بلا أي قدرة على إبعاده ،إنه معك مذ تصالحتِ معه و بدأت بالاعتناء به بصورة حميمية ، فالتصق و صار شيئا أبعد من تهتمي به، شيئا قريبا إلى درجة مللت من النظر إليه ، إنه ليس على مد نظرك ، غير مرئي ينسلّ من داخلك بلا مجرى محدّد . الليل طوركِ في النضوج ، و فرصتك التي تشبه السراب للعبور .
العبور وهم زهيد ، كلمة جوفاء ، هبّة ريح نلاحقها ، نور تركناه في غرفة بداخلنا صاحيا علّنا نعود له و ناخذ فرصتنا الأخيرة في الخروج عبره ، فخدَعَنا و أكمل دوره فينا حتى شهد تشردنا فيه باحثين عنه كسبيل وحيدٍ للنجاة . لم يكن حقيقيا ..لم يكن طريقا..
هكذا بكل بساطة تعبر فيك الحقيقة \قافلة من الطلقات العجولة
هكذا دون ماء ، ودون طريق للرجوع منها بأقل قدر من المعافاة ،أو بأقل الدعوات الفقيرة كي تسيري وتُخفي عن الموت طريقه لإكمال المسير نحو الجهات التي تحمل شتات قلبك.
قتلك الضياء الكثيف ، وتجنّبك صريعة بحثكَِ عنه طوال هذا الطريق الطويل ،وسلبك وجوهاً انتميت إليها
مكانا اخيرا
وأردتِ بكاء أخيرا يجمل شبحك الخائف من الفقد التام لملامحه ، أردت نبضاً بديلا عن الذي تكسر بين خافقيك
أردتِ وجهاً ..وجهاً بعيدا \ كتفاً يعرفك من وحشتك ،حياّ
فلا يأخذ شيء مما تبقّى منك ، ولا تتاخر الشهقات في حضرته ..
أردتِ قليلا من الجديّة فيما تجدِلُ الحياة فيكِ من قصص غائمة في الغياب النهائي
أردتِ أن تصرخي ،بكل ما تملكين .. ولو قليلا
"يا موت لو تتأخر
على من نحب
تاخر قليلاً .."

الأحد، 25 مايو 2014


http://soundcloud.com/banan-syria/q6h4mvteb3nc

زائري هذا الصباح كان واقفاً في الذاكرة كما مضى ، ممسكا المسبحة في كفيه كما يفعل دوما ليستدرج الغيم. كان الليل ، وكان أسوداً كالرحيل جافّا يحاول البلل من صمته الطويل أمامي، مشيتُ نحوه علّني أنجو من دمع ثقيل ركد في صدري، فعَبَرتُه إذ نادى : أما زلتِ تهجسين بي ؟وأنا الذي لم أعش عمراً كافياً لأعرف وقْع خُضرتي بداخلكِ ، أو ما ستمنحينه لاسمي من لهفتكِ ؟ "
متّ يا جدي في يوم باهت قد ابتلع ضوءه في داخله من أثر تحديقك ، وغسلناك بالذاكرة الهامِسة . ها أنت اليوم ترتاح في أمس بعيد عنا ،يدنو بقربك كل مساء، وحدكَ
وحدك
تاركاً أبواب قبرك مشرَعة لتوافي من تحب في المنامات الغائمة بك
لا سقف لذاكرة تحاول الاعتياد على رحيلك ، وأنا وحيدة هذا الصباح من بعدك أردد دونما معنى صمتك الجليل ، وقد حفّ القلب غيابكَ المتهدّج فينا نايات
ليتني أدركت كم سنة ستمر قبل أن يصفّر الريح في نثارك ، كم سأسصعد في انتظاري وانتظار أقاصيصك
كم دعاء سنرسله إليك على ما بقي منك فوق ، فوق
كم سنطلّ على الفجر مرتعشين من صورتك الضائعة في حطامنا ؟
لم أعد من طوفانك يا جدي ككل من عادوا
لا اسم كامل لي ولا طيف يحميني من كل هذا الهباء بعدك
وأشعر أنني وحدي .
أما زلت بقربي؟
أنا ... لا أراك . يا أنت
يا حارس الصمت الجليل
أنا لا أراك!

21\5\2014
خمس أشهر على اغتسالنا بطيفك الثقيل
الثقيل . ولا ظلّ للفجر من بعدك .


الأربعاء، 21 مايو 2014

the network is unstable ...

أخفَقتُ من جديد وأنا أحاولُ أن أمسك نبضي علّه يكفي لأن لا ينقطع الخط. سمعتك همساً صارخاً من بلاد سحيقة سرقتكَ من الوقت ومني بكل ألقٍ ، وعبرنا كمينَ الوقت والمسافة ،فانقطع بنا النور مرة واحدة 
.وكصرخة غريق سِرتُ أنا \الأخيرة في السراب أنتظر قدومك من جديد ،
التماع الحنين في الظلام أنا، وبقية البكاء عند ساعة مغيب متوحد بك ، وأنا التي لم أفهم إيماءة الوُجهة حين سلبتك منّي أول الخلق ، بلا إياب قريب 
سأحاول أن أحمل ليلاُ ثقيلا في رأسي يرفّ ويُحنيه طويلاً ، 
علّك تأتي مصادفة قبل أن يعود الفجر من الطوفان ، قبل أن يسكن الهباء عاثراً بكل هذه الخفة والضياع..
علّك برَجْعِ انبهار الصدى من كل هذه الضياء ، تنهمرُ إليّ
علّ خطوة بطول هذا الممر السرابي المؤدي إليك تعيدُك ، فتنهمِر فيّ!

السبت، 17 مايو 2014

لا ليل أثقل من ساكنيه

كيف عليّ يا صديقة أن أصف لك تهشُّم وجه القمر الليلة في يديّ حينما اعتصرته وقد نضَج جسدي بأساه ،ولم أستطع احتماله؟ كيف أستطيع أن أنتحب عاليا فيصلك 
ِ في كل هذا الظلام عبءُ هذا القلب المترَح بالفقد ؟ كيف أستطيع أن أخيط الجرح وأنت تنظرين دون أن أفتحه على وسعه كل مرة؟
كيف أستطيع يا صديقة أن أغني لك عمرا طويلا راهنت على استعادة عافيتي منه ، وانتصر بي و واراني في سجلّه ؟
لم تنادي هذه الوحدة أحداً لهذا الليل الطويل فيشاركني بؤساً مثقوبا مني ، هذا الغياب المصنوع مني
لا أحد يا صديقة فآوي إليه من غربة استشرت فيّ ونبتت كيفما اتفق ، تنتظر أقل الأوقات ترقبا لتنفجر فيّ نيازكُ من ضياء و دم منثور
لا أحد لأبتكر على أكتافه أعيادا من رحم هذا الحزن، من جهته الأبعد .
أنا هشّة يا صديقتي بما يكفي لأن تجرحني فراشة مرّت بهذا القلب فاحترقت ، انا هشّة بما يكفي لأن يقطع الظل خواصري ، راقصاً
أنا يا صديقة لا أحد ، في هذا الليل المسفوح المخذول المرابط على ما بقي مني
أنا لا أحد، فكيف علي أحمل عبء كل هذا التمزق والتشظي المكتمل تماما فيّ ، والمفترس لكل ما يدنو مني ؟

لا ليل أثقل من ساكنيه ، لا سماء لنهيم على وجوهنا فيها
ولا حناناً
ولا حناناً واسعا ، عاليا ليُلَملِمنا !

الجمعة، 16 مايو 2014

هذا حضورك فيي ، وهذا انتحار اللغة



كيف يمكن أن يُمدّد القلبُ و يتصّل بعيداً عن الزمان ، قريبا قريبا من مبعث الوحي الكثيف هذا الذي يحركه بيدين بعيدتين ؟ أن يَبتلع كل هذه الخوف المتربص بظلال الموت و المسافة ورائحة البارود ، ومن صدعٍ في السماء يكبر كلما ناحت البلاد و أدركتني بعيداً بعيداً عنك ؟
كيف يمكن أن تضيء لي الأشياء هذا الارتياب الأسود من كل شيء لا يَشي أو يدلُّ عليك؟
تخونني الأبجديه كلما باغتّني ، وظلّلت حصاركَ في ذهني
وكلما حاولت أن أمدّد المعنى حولك رغبة بإيقاف وجودك المتسمّر هذا لحظة ،علّني أفيه بهاءه تامّا ،كاملا .
أعترف بأني أكلتُ رسائل كثيرة كنت قد ملأتها فيكَ و عُدْت ودبَجتُ هوامشها حتى لا أدع فيها بياضاً يدّعي خفة لوجودك ، ملأتُها و ضقت بها وابتلعتها حينما عجزت أن تحمل اختلاجاتي إليك بكل المجاز وبكل قصوره.
أعترف بأن المسافة حقيقة ، و باردة .واللغة علاماتٍ وكلماتٍ فارغة ،جوفاء لم تخلق لاعتصارالمبهم والحرائق ،
وأنك أنتَ أنتَ الأَثير المتّقد أراكَ ،و تُعتصر من داخلي وتتدفق فلا تنقطع أو تبرد، وأنني العاجزة أنا الفقيرة لا أملك إلا أن أصلّي لأحيط بكل هذا اللانهائي المُحال فيك..ذلك القريب القريب المتلألئ دوما ، قاهراً المسافة وكل الغياب

الجمعة، 25 أبريل 2014

لهذا الليل موسيقاه


روح ٌ
كالنهر
تسري فيّ ، فأسري بها
علّني أعرف طول مجراها
ولاشيء كالتيه يدلني كل مرة عليها ، فيأخذني إليها ثانية
لأفرّ بها و عنها
حتى الأخير
الأخير
حتى الأخير ...
http://soundcloud.com/alkauthar/ruh

الجمعة، 18 أبريل 2014

..

عندما استيقظتِ رأيت بوضوح سكاكينا موجَةً نحوك ، في ساحة صلبتْكِ ، و تشعبت ظلالِك فيها ، بكامل انكسارك 
كراية في بلاد منهوبة 
عندما استيقظت استطعتِ بوضوح تلمّس الأسياخ التي مرت بخاصرتك طوال الليل و كانت تفتك بهدوء غاباتِك ، و تنسحب .. ككلّ الحيارى و المجانين و الفلاسفة و القلوب المبتورة في أغانيكِ المسفوحة 
كان يدرك تماما، حين رآكِ هكذا أنك المخلوقة من قلب هشّ مثله ، يحمل عبء طعناته النبيلة ، و أنك حاولتي التصالح مع حياة رسمتك رغما عنك ، ولم تسمح لك بأقل محاولة للهروب دون تشظي
رفضت كعادتك ، ففتكت بك
كان يدرك أنهم حين صوبوا سكاكينهم و مرروا الأسياخ من خواصرك ، ستنبجسين
هكذا بصدق ، كالضباب
وسيحبّك ، سيسمحُ برحابة اليائس أن يراك أنت ، أنت كما أنت ، بشجاعة مَن يعرف تماما أن عليه أن يسهو عنكِ وعنهم ،
حتى يكون .

السبت، 12 أبريل 2014

هل تملكين يا مريم بياضاً كافياً لتطالبي بحقك في مد ظلك فوق الجرح ، دون أن يلامسه ، أو أن يستطيل ؟ 
كان أصل الدمع يا مريم خواصر فتكت بالريح و الليالي ، حتى انتحبت 
كان أصل الخاصرة يا مريم تيهاً أومئ للأقدام و أغرها بحواف الهاويات 
فهوَت
هكذا وسّدتِ حضورك في كل ذاكرة فتكتِ بها ، ظلّا يقاسي حنينه و يطويه فوق الحنين 
بلَلٌ في يوم نديّ قطف منك كل ضحكة يانعة و أهداها للمارة ، لترقص ضحكاتك هذه كل يومٍ على وجه منها
و أنت تدمعين ../

السبت، 5 أبريل 2014

هذربات 2

بماذا أفكر ؟
أفكر بهذه المساحة التي عجننا بها مارك ، و قام بتغليفنا و محاصرتنا و تكبيلنا بها تماما 
حتى انتشلنا منا أرواحاً موازية تعيش خلف مواربات المجاز و الصورة و الكائن الإلكتروني المختبئ خلف الشاشات ،ذلك الذي بدأ ينمو و ينمو بداخلنا حتى تورم و فاض بكل ما يقلقه البوح والاعتراف به.. 

أفكر بكل كائن وهمي أنشئ خلف حساب رقمي ، هرباً من مواجهة حقيقية للنفس و هي تنطلق بما تريد أن تنطلق فيه من كلام ، و انعتاقا من قيد الواقعي و الحقيقي

أفكر بحجم الأمراض و العلل التي طفت على سطح هذا العالم مذ وجد أقل استعداد لأن يبزرها و يحدد معالمها

أفكر بمارك ، الذي منّ على هذا العالم حين أغرقه في أمراضه و تعقيدات وجوده ووضعه وجها لوجه أمام كيفية مواجهته الفعلية لهذا الوجود

و أفكر بالهلام ، باللاحقيقة ، و بالوهم الذي تشرّب منا و تسرّب حتى أبعد نقطة فينا ، فتوّج نفسه جبينا لهذا المكان وعنوانا له .
لا حقيقة أكبر منا ، من مخاوفنا من هواجسنا و ارتباكاتنا ، من انجرافاتنا العصية على التوقف. لا حقيقة أكبر من عائلتك التي تنتظرك خارج هذا الهباء الذي حاولت أن تنتمي له فلفظك في آخر المطاف

ولا شيء يعول عليه هنا إلا "كلمة طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا.."

تسقط الشاشات ، تسقط أرواحها الهلامية التي تلبستنا و تقمصتنا خلف هذا الأزرق..
والمجد لأكتاف لا تعوّل إلا على جدران حقيقية لتستند عليها :)

الأربعاء، 26 مارس 2014

ميلاد



"قل ليَ بعض الكلام البسيط،
قل إن في وسع شخصين ،مثلي و مثلك ،
أن يحملا كل هذا التشابه بين الضباب و بين السراب ، و أن يرجعا سالمين .."

الخميس، 20 مارس 2014


لم تُفْنِ الأنثى الأمّ حبْراً كثيراً في وصف فلسفتها الخاصة عن الرّوح التي تتدلّى منها وتخرج بدوّي عالٍ لهذا العالم
لم تتحدّث عن انفجار هذه الروح كالضوءِ فيها لتُدهش العالمَ بأن يسلك نفس الطريق الذي مّرت به حتى هذا اللحظة ، ولم تستهلك الحيّز الكثير لتنشرَ على حبال الغسيل قوت قلبها ، و خبّئته قنديلاً لمساءاتٍ باردة و مظلمة . لم تصِف وحدَتها السحيقة حين كبرت هذه الأرواح ، و راحت تفيضُ بالصّور علىمخيّلتها لتُلهيها ، حيث كان جسدها زَمناً مأهولاً بأنوية صغيرة تعلّقت بمشميتِها بشكل ممرض

لم تُفْن الأنثى الأمّ كل هذا ، بل قدّسته بداخلها ، و قاسَته و أمطرت عليه بنبلٍ ودون ذكر ،
وكانت هي الحكمة و الملاذ التي ستَطوف هذه الأرواح كثيرا حوله ، وبعيداً عنه
لتعود باضطراب كل حين له ، وتأنس بتأمله متجليا في وجهها السّخي بلا حدّ .
Haifa Bondokgi


الجمعة، 28 فبراير 2014

عن النقد اللاذع الموجّه لملتقى التاريخ




المشكلة أننا حتى عندما تناولنا مفهوم النقد السليم و البنّاء وقعنا في أفخاخ منطقية انجذبت لها عقولنا السلطوية ، فعقلنا البشري لم يتكيف على استخدام المنطق في مكانه الصحيح، ومذ لاح طيف منه -و إن كان وهماً ضخمته التجربة و غرورها بداخلنا - اعتقدنا بأننا على مقدرة من استخدامه كما نريد و بالسياق الذي يستفزنا لذلك ، و غالباً في مثل هذه الحالات التي تستفز سلطوية العقل، هناك ميل إلى البدء من النتيجة قبل حتى بناء حجة تدعم هذه النتيجة .

لم يزعجني النقد الذي قدمه أحد الدكاترة النفسيين المعروفين للملتقى التاريخ كعملية بحد ذاته ، ولكن يعنيني طريقة الوصول لنتيجة هذا النقد . أنت عندما تقف أمام الطرح ناقداً معترضاً وتبدأ بتحليل نفسيات "الشباب" التي قدمت لفعالية تهدف إلى إعادة الإعتبار لعملية النقد الذاتي للتجارب والتاريخ ، من خلال موقع تواصلي يتيج لكل الموجودين نقل وجهة رأيه الشخصية و البحتة بغض النظر عن محتوى الملتقى ، وتحكم عليهم وعلى محتوى الملتقى بكل جرأة وسهولة دون أن تتطلع بطريقة أكثر موضوعية وقرب ميداني حقيقي ، بأنهم معطلي مسيرة النهضة ، فأنت وقعت في مغالطة تعميمية لاذعة و لا ترمي لشيء من الفائدة .
مجرد النقد بحد ذاته لا يعطي المنهج المستخدم - التعميم القاتل- قداسة معينة ،ولا يبرر لك التشهير بهذه الطريقة الغريبة لفعالية كهذه .

المبهر في القضية هو الإنقياد الواضح للجماهير لدعم مسيرة النقد اللامنطقية التي قدمها هذا الدكتور ، دون الرجوع لأي من مواد و مخرجات الملتقى ، و دون حتى الرجوع للمادة الإلكترونية التويترية التي حكم عليها معمّماً ، واللجوء إلى التشهير بانفعالات الرد على النقد عوضاً نقد النقد المطروح منذ البداية .

هذه هي السيكولوجية الجماهيرية التي حدثنا عنها غوستاف والتي تقبل ما يقوله الزعماء و العلماء والمثقفين، و تنخفض فيها الطاقة التفكيرية ،ومايوحي به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به، بإرادتها الكاملة دون أي حجة منطقية سليمة 

الجمعة، 17 يناير 2014

مراجعة في رواية الخلود .


يعتمد الجمال في أي بنيان روائي على مقدرته لمس تشابكات وتأملات واقعية في ذهن القارئ ، وضعها أمامه و تحليلها و تفكيكها كصورة كاملة ، ومن ثم إعادة تركيبها بالصورة الأقرب لتقبل عقله وواقعه .
وأعتقد بأن الروايات التي تجاوزت هذا التحدي قليلة جداً ، فهي وإن لامست بعض الالتباسات ، لم تجعل منها سوى جسماً طافياً على السطح قامت بتكثيفه دون أدنى اعتبار لحله أو تحليله .
رواية الخلود لميلان كونديرا تضعنا أمام هذا الظهور المجازي لأسئلة الذات و تشكّل ملامحها بدقة ، من خلال بناء روائي فريد يقوم على عدة شخصيات قام كونديرا بتنحيتها ، بعيدا عن المركزية ، ومنعَها من احتكار الأحداث والتفاصيل ، بحيث قام السرد على مصاحبة الشخصية ، وليس محاكاتها ، تارة بالاستغراق بها وتارة بالإنتقال بها إلى الظل من أجل ترك فرصة لفهمها وتأويلها ، وشكّل من هذه الشخصيات المختلفة ( أنييس، روبنس ، لورا ، بول ، محادثات غوته وهمنغواي، منعطفات أفيناريوس ، و التباسات الراوي )
مجموعة من القصص المستقلة التي تعود لتتقاطع في فكرة وفلسفة عميقة ، كجزء من التوليفة نفسها .
وبهذا ، يترك كونديرا للقارئ التأمل في نتائج الأحداث ، تركيب الشخصيات و تفاصيلها ، بحيث يتلذذ هذا القارئ بكل المنعطفات والأحداث البطيئة ، وبالاستطرادات والوقفات الفلسفية ، مبتعدا به عن الفن السردي المعتاد الذي يلتزم قاعدة التواتر الدرامي ، و يحول عناصر الرواية إلى مجرد مرحلة بسيطة تقود إلى النهاية .
على العكس، جعل كونديرا من الرواية درباً استكشافيا لكثير من المعاني عن طريق تمثيلها بشخصيات لا مركزية فيها نوع من الانسجام المستمر وفي الوقت نفسه متغير
وكل ما يجمعها في النهاية هو تقارب المعنى الذي تجوبه وتبحث عنه .

رواية الخلود مليئة بالانصهارات المعقدة للإنسان الذي يتحول و يتبدل طوال مسيرته في هذه الحياة ، بحيث تضعنا أمام السؤال التأملي - ومضات متفرقة موزعة على الرواية تشترك جميعها بفخ الأنا وسؤاله ، محاولة تحديه ، و الخروج من محدداته و كل ما يعيقه عن التمدد والخلاص والخلود .
من الناحية الجمالية ، الرواية الكونديرية البعيدة عن المسار المستقيم للقصة ، و الشبيهة بشبكة من التفاصيل التي تشكل دروبا عديدة ، تعد الأقرب إلى النفس البشرية المنجدلة على نحو لصيق بواقعها ، وأسئلتها الفلسفية وكل أحلامها ورؤاها العميقة.

أخيراً و بشكل شخصي ، رواية الخلود تعتبر من أجمل الروايات التي قرأتها حتى عام 2013 ، تعلقت بالفلسفة الكونديرية بشكل كبير ، و استطاعت هذه الفلسفة لمس صرخات ملحة بداخلي ، و تحليلها و إعادة تركيبها .
أنصح بها وبشدة :)





الخميس، 2 يناير 2014

هذربات

أعتقد دون شك بأن بداخل بعض منا قدرة خفية على تجسيد مخاوفه و هواجسه كحالة تعرض أمامه
بحيث يخرِّج هذه المخاوف على شكل حالة يحاول أن يجعل طرفاً مقابلا يعترف بها 
وذلك لا ينتهي إلى شيء سوى إلى راحة دفينة تقبع بداخله بأن أحداً ما يتصرف أمامه بهذه المخاوف ، و يتمثلها 
أي يشاركه تجسيدها الحقيقي .
ليبقى أمام خيارين ، إما أن يستمتع بهذه المسرحية كونه استطاع منتصراً واهماً الخروج و الاستثناء من دائرة المرض بهذه المخاوف
أو أن يمتن لفرصة وضعته وجهاً لوجه أمامها ، ليحلّلها ،ويحلها و في أحسن الأحوال ينهيها تماما.

الأهم من ذلك ،الوسيلة ساذجة ،ساذجة جدا
وغير مبرَّرة .
وهذا هو فخ النفس حين تنجدل على شكل لصيق مع أناها التي لا تقبل بأي حال من الأحوال الاعتراف بنقصانها .